الأربعاء، 29 أكتوبر 2014

هل قوى الأخلاق الإنسانية هى الشهوة والغضب والنطق الفكرى فقط؟

شناويات...!
...

إن كل العلوم التى تبحث فى الأخلاق وتحث عليها، إنما هى مجموعة من فنون البحث والتنقيب عن الملكات الإنسانية المتعلقة بالقوى النباتية والحيوانية والإنسانية، لتميز الفضائل منها من الرذائل كى يستكمل الإنسان بالتحلى والاتصاف بهذه الفضائل سعادته البشرية، فتصدر عنه من الأفعال ما يجلب الحمد العام والثناء الجميل من المجتمع الإنسانى فى حياته وبعد مماته أيضًا.
وفى يقينى أن الأخلاق الإنسانية تنتهى إلى ثلاث قوى: هى الشهوة والغضب والنطق الفكرى. لأن جميع الأعمال والأفعال الصادرة عن الإنسان، إما من قبيل الأفعال المنسوبة إلى جلب المنفعة – مثل الأكل والشرب واللبس والمعاشرة الجنسية والنفوذ والعزة والغنى وغير ذلك، فتُصنَّف هذه الأفعال بأنها صادرة عن "قوة الشهوة" ...
أو من الأفعال المنسوبة إلى دفع الأذى، كدفاع الإنسان عن نفسه وعرضه وماله وبقائه ونحو ذلك، فتُصنَّف هذه الأفعال بأنها صادرة عن "قوة الغضب"...
أما ما يُنسَبُ إلى التصور والتصديق الفكرى، كتأليف الكتب، أو الكلام بالقياس وإقامة الحجة أو الخطابة أو الشعر وغير ذلك، فهو منسوب إلى "قوة النطق الفكرى".
ولما كانت ذات الإنسان مؤلفة ومركبة من هذه القوى الثلاث، فلو اتحدت هذه القوى بالمعدل الذى أودعه الله فى الإنسان، بحيث لا يسمح الإنسان لقوة منها أن تسلك مسلك الإفراط أو التفريط، ويجبرها على السلوك الوسطى المعتدل ليبتعد بها عن الزيادة والنقصان، فسوف تصدر عنه أفعال خاصة يبلغ بها سعادته وسعادة من حوله...
أما لو تركها بلا تنظيم وتوجيه وعناية، فسوف تخرج كل قوة منها عن المقدار المقدر لها، ويحدث الشقاء البشرى وينتشر الفساد ويعم البلاء والوباء، ويصبح الإنسان مهددًا بفناء نوعه وإن طال بقاؤه.
ولتوضيح ذلك أقول:
إن حد الإعتدال الوسطى الذى أقصده فى قوة الشهوة - هى استعمالها فيما ينبغى كمًا وكيفًا، ويسمى ذلك "عفة"... فلو انحرف الإنسان بشهوته زيادةً أو نقصانًا، إما بالإفراط والتفريط الشره أو الخمول، لفسدت الأنساب وانتشرت الأوبئة وضاعت العفة وانتُهكت الأعراض أو انقطع النسل.
وأما حد الإعتدال الوسطى فى قوة الغضب هى "الشجاعة"، بأن لا ينحرف الإنسان إلى التهور أو الجبن.
أما حد الإعتدال الوسطى فى قوة النطق الفكرى فهى "الحكمة"، أى يبتعد الإنسان عن حد الثرثرة والكلام المرسل فى غير التخصص وادعاء المعرفة أو البلادة.

وبالتالى لو اعتدلت هذه القوى الثلاث ونمت وتطورت، تحولت لملكات خاصة ينتج عنها ملكة رابعة هى مزيج متماسك وراسخ داخل النفس، يسمى "عدالة"... تجد صاحبها يعطى كل قوة من القوى الثلاث حقها، ويضعها فى موضعها الذى ينبغى لها تمامًا... فإذا بالغ فى عطاء واحدة دون الأخرى فقد تجاوز حد الإعتدال الوسطى بالظلم والقسوة.
لذلك أرى أن أصول الأخلاق الفاضلة هى العفة والشجاعة والحكمة والعدالة... ولكل منها فروع ودرجات، مثل الجود والسخاء، القناعة والشكر، الصبر والشهامة، الجرأة والحياء، الغيرة والنصيحة، الكرامة والتواضع، إلى غير ذلك من الصفات الحميدة.
ودعنى أَضرب لك مثالاً لإمكان ضبط إحدى القوى فى النفس:
إذا قلنا إن الجبن يتملك الإنسان حينما يتمكن الخوف من النفس... والخوف إنما يكون من شئ ممكن الوقوع أو عدم الوقوع، فالإنسان العاقل لا ينبغى أن يخاف... فإذا لقن نفسه عدم الخوف، وكرر الإقدام والخوض فى المخاوف والمهالك زالت عنه رذيلة الخوف، فكلما تدرب على خوض المخاوف وتأكدت له السلامة، ازداد صعودًا فى اتجاه الشجاعة وابتعد عن حد الجبن... وهكذا الحال فى مختلف الرذائل والفضائل.

الغاية من الإنسانية هى نمو الفضيلة وانتشار العدل والسلام بين الناس... لكننا اليوم أمام مفترق طرق، حيث أن الأخلاق تختلف أصولاً وفروعًا باختلاف المجتمعات المدنية، فما هو حسن هنا – قبيح هناك والعكس... ويرجع ذلك إلى عدم وجود أصل ثابت يجمع الأمم كلها على منهج واحد... وتلك مشيئة الله أن يختلف الناس فى اللغة والعقيدة والفكر والسلوك والعادات... لكن يبقى أمامنا الهدف واضحًا كضوء الشمس – الغرض من الفضيلة الإنسانية فى أى مكان على وجه الأرض هو ابتغاء وجه الله فقط... فابحث لنفسك عن موطئ قدم فى سـاحة القبول عند الله... 

مهندس محمد الشناوى
تداول العملات تداول النفط تداول الذهب سبائك ذهب فوركس

0 التعليقات :

إرسال تعليق