الأربعاء، 29 أكتوبر 2014

الإنسان وحياة البرزخ..!

شـناويات...!

الإنسان موجود مخلوق لله تعالى - متعلق الوجود بصانعه فى حركاته وسكناته، فى لمحاته وأنفاسه، فى خواطره واكتساباته وأفعاله، بدأ من عنده وسيعود إليه، له حياة باقية بعد ارتحاله من هذه الدنيا، حياة طويلة الأمد لا تنقطع إلا بمشيئة الصانع الباعث، وهى حياة مترتبة على الحياة الدنيا، وكيفية سلوكه فيها، واكتسابه الأحوال والملكات المناسبة للتوحيد الذى هو كونه عبدًا لله سبحانه، بادئًا منه وعائدًا إليه.

فالإنسان فى بدايته فى الحياة الدنيا وجد أن سائر الأفراد من نوعه يريدون منه ما يريد هو منهم، فاضطر لمصالحتهم، ورضى مرغمًا أو عن طيب خاطر أن ينتفعوا منه، وعلم ما ينتفعه هو منهم، وهنا ظهرت صور الحياة المدنية والاجتماع التعاونى، وبات ضروريًا أن توضع القوانين والدساتير ضمانًا لينال كل ذى حق حقه، وتعتدل النسب والروابط والفرص فيما يسمى بالعدل الاجتماعى... وأى خلل فى القوانين سوف ينتج عنه خلل فى الموازين والمساواة والعدل، وهذا ما دفع بعض المجتمعات لتستعير صيغًا قانونية من مجتمعات أخرى أكثر تقدمًا وحرفية منهم، لعجزهم هم عن الابتكار وتحديد مواطن النجاح مثل غيرهم.
ولا يزال الإنسان يتكاثر ويرقى وينافس بعضه البعض فى الفكر والعلوم والثقافة والأبحاث والابتكارات واكتساب المهارات وتطوير الأداء واكتشاف النظريات، من أجل رفاهية مجتمعه وضمان بقائه قويًا معافًا شديد البطش.

إلا أنه سوف يرتحل من هذه الدنيا التى فيها حياته الإجتماعية وينزل دارًا أخرى هى البرزخ، ثم دارًا أخرى هى الآخرة، غير أن حياته بعد هذه الدنيا تصبح حياةً انفرادية، ومعنى كون الحياة انفرادية - أنها لا ترتبط بالاجتماع التعاونى، والمشاركة والتناصر، والالتزام بالقوانين، والاعتماد على الغير، والبحث عن فرص أفضل للمعيشة، بل إن السلطنة فى الآخرة تكون فيما يخص جميع أحواله، ليصبح الفرد سلطانًا فى نفسه، لا يؤثر فيه وجود غيره بالتعاون والتناصر، ولا مشاركة الغير والالتزام بالأخذ والعطاء المجتمعى، فقد ترك الإنسان كل الأنظمة المجتمعية والطبيعية المشهودة فى المادة وممتلكاته وأحلامه خلفه وراء ظهره فى الحياة الدنيا، وأقبل إلى ربه، وبطل عنه جميع علومه العملية والنظرية، وبطلت أبحاثه، ومحيت من عقله ثقافته وعلومه، وذهبت خبراته وفلسفته ونظرياته وسائر طباعه، فلا ضرورة لاستخدام الغير أو التصرف من أجل الغير، أو الحاجة للمدنية والاجتماع التعاوني، ولا سائر الأحكام والقوانين التى كان يحتكم إليها فى الدنيا، حتى نسبه مع أبيه وأمه وإخوته وزوجته وأولاده سوف ينقطع، ليصبح مجردًا من كل شئ إلا عمله، ونتيجة حسناته وسيئاته، حيث تظهر له حقائق الأمور، ويبدو له النبأ العظيم الذى هم فيه مختلفون... يقول ربنا عز إسمه: (((ونرثه ما يقول ويأتينا فردا)))... وقال أيضًا: (((ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم)))...

لن يكون الإنسان فى حاجة إلى ما أبدعه فى الدنيا من علوم ونظريات وأفكار وآداب، لن يجد سوى ثمرة توحيده وعمله هو، ونتيجة سعيه فى الحياة الدنيا، يظهر له ظهورًا ليجزى به جزاءًا محددًا، لا مفر منه أبدًا، ولا فدية له... فكيف يصير الحال يوم الشر المستطير والهول الأعظم؟ رحمتك يارب...!

مهندس محمد الشناوى
تداول العملات تداول النفط تداول الذهب سبائك ذهب فوركس
رسالة أحدث
Previous
This is the last post.

0 التعليقات :

إرسال تعليق