الأربعاء، 29 أكتوبر 2014

لماذا اختلف الإنسان على مر العصور دائمًا؟

شناويات...!
......
 
الناس هم الأفراد المجتمعون من الإنسان، والأمة هي الجماعة من الناس، ويطلق لفظ "أمة" أيضًا على الزمان، مثل قوله عز إسمه (((وادكر بعد أمة)))، أو (((ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة)))... كما يطلق لفظ "أمة" أيضًا على الملة وأصحاب الدين الواحد.
وكان الناس قديما أقل معرفةً برموز الحياة، وأسرار الطبيعة، لا يوجد عندهم إلا النزر القليل من المعرفة بشئون الحياة وحدود العيش، لا يملكون سوى البديهيات ولا يعرفون إلا شـيئًا قليلاً من النظريات الفكرية - التى تهيئ لهم وسائل البقاء بأبسط ما يكون، مثل التغذى بالنبات أو شئ من الصيد، والإيواء فى الكهوف، والدفاع عن النفس بالحجارة والأخشاب والعظام ونحو ذلك، فهذا حال الإنسان فى أقدم عهوده.
ومن المعلوم أن قومًا حالهم هذا الحال لا يظهر فيهم الإختلاف ظهورًا يُعتد به، ولا ينتشر فيهم الفساد انتشارًا مؤثرًا، كالقطيع من الغنم لا هم لأفراده إلا الاهتداء لبعض ما اهتدى إليه بعض آخر، والتجمع فى المسكن والمعلف والمشرب.
من أجل ذلك، عاش الناس قديمًا على السذاجة والبساطة، لا اختلاف بينهم بالمشاجرة والمدافعة فى كيفية المعيشة، ولا اختلاف فى المذاهب والآراء، ولا اختلاف فى التوجهات أو رفض الواقع... وبدأ الإنسان يُكَوِّنُ لنفسه اجتماعًا له قوانينه وتقاليده الخاصة، وسيطرت الفطرة، حتى تكونت عناصر الاتحاد والوحدة فى المجتمع.... وهنا نشأ النوع الأول من الاختلاف: الاختلاف الغريزى الناتج عن الحرص على توفير أسباب المعيشة وضروريات الحياة - مثل التزاوج وحب السيطرة والرياسة، كذلك العصبية العرقية، وسـخرة الغير، إلخ.
ولم يزل النوع الإنسانى يرقى فى العلم والفهم والفكر، ويتقدم فى طرق المعرفة والثقافة، عامًا بعد عام، وجيلاً بعد جيل، ليُقَوِّى بذلك أركان اجتماعه يومًا بعد يوم، فيزداد علمًا وقوةً، ويقوم على توفير كل الاحتياجات لأفراده، ورفع مستوى رفاهيتهم، ومقاومة مزاحمات الطبيعة، والسيطرة على الأرض والبحر والجو للإستفادة القصوى من مزايا الحياة، ويكتشف طرقًا جديدة للانتفاع بالموارد الطبيعية، حتى ظهر فى مجتمعاته أقوياء، وأصحاب سطوة وقدرة، وأغنياء، وضعفاء وفقراء، ومتعلمون وأميون، وأصحاء ومرضى... وهنا نشأ النوع الثانى من الاختلاف: الاختلاف الفطرى الناتج عن سوء الاستخدام والخلل الاجتماعى. 

ولما كانت فطرة الناس تميل إلى المدنية والاجتماع، يصبح الاختلاف متنافيًا مع الفطرة، وسببًا قويًا لهلاك الإنسان والقضاء على نوعه... لذلك تدخلت العناية الإلهية لرفع هذين الاختلافين عن الناس، فبعث الله فيهم الأنبياء مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتب والحكمة لهداية الإنسان وأمنه وسلامته فى كل العصور... إلى أن العلماء بكتاب الله فى نفس الدين لم يلبثوا أن يوجدوا نوعًا ثالثًا من الاختلاف، فرضوه على الأمة فرضًا – وهو الاختلاف العقدى، إما تساهلاً وابتداعًا وتفريطًا، وإما تطرفًا وتشديدًا وتذمتًا وتخلفًا... وقد سمى الله عز إسمه هذا الاختلاف الأخير بالبغى... قال تعالى: ((( وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيًا بينهم ))).

لقد شرع الله سبحانه الشرائع والقوانين - واضعًا ذلك على أساس التوحيد، والاعتقاد والأخلاق والأفعال، وبنى العقيدة على أساس تعليم الناس، وتعريفهم ما هو حقيقة أمرهم من مبدئهم إلى معادهم يوم القيامة، وأنهم يجب أن يسلكوا فى هذه الدنيا حياةً تنفعهم فى الحياة الآخرة... وبالتالى يتم القضاء نهائيًا على الاختلافين اللذين يحملان في طياتهما وباءًا هالكا للأمم، لكن مع الأسـف الشديد، يأتينا أكثرنا علمًا بالكتاب ليصرف أنظار الناس عن الاختلافين السابقين، ويضيف اختلافًا ثالثًا، يقضى به على الشرائع ويخرج الناس من الملة، فينهاهم أولاً عن فضائل الأعمال، ثم يتحول إلى الثوابت والسنن ليشكك الناس فيها، كى يفسح المجال لهدمها... ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.... 

مهندس محمد الشناوى
تداول العملات تداول النفط تداول الذهب سبائك ذهب فوركس

0 التعليقات :

إرسال تعليق