الأربعاء، 29 أكتوبر 2014

لماذا نقول "سلام عليكم"؟

شناويات...!
....

الشعوب والأمم على اختلافها فى الحضارة، والتقدم، والتخلف، لا تخلو فى مجتماعتهم من تحية يتعارفونها عندما يلتقى بعضهم ببعض. وللتحية أنواع مختلفة: إما إشارة باليد أو الرأس أو رفع القلنسوة، أو الإنحناء فى هيئة ركوع، أو بسط الكف على الصدر، وغير ذلك، فهى متنوعة باختلاف العوامل المختلفة العاملة فى مجتمعاتهم.
فإذا تأملت هذه التحيات الدائرة بين الأمم على اختلافها وعلى اختلافهم، وجدتها تشير إلى - أو تعبر عن نوع من الخضوع والهوان والتذلل يبديه الدانى للعالى، والوضيع للشريف، والمطيع لمطاعه، والعبد لمولاه، فهى وسيلة تكشف عن هيئة الإستعباد الذى لم يزل رائجًا بين الأمم فى عصور الهمجية فما دونها، وإن اختلفت ألوانه وأساليبه، لذلك نرى أن هذه التحية تبدأ من المطيع وتنتهى إلى المطاع، وتتمثل من الدانى الوضيع، لتصل إلى العالى الشريف، فهى من ثمرات الوثنية التى ترتضع من ثدى الاستعباد.
وفى زماننا نلمس ذلك فى دول شرق آسيا التى تنتشر فيها الوثنية، أنهم يحيون بعضهم البعض بنفس الهيئة التى يعبدون بها أوثانهم، من لصق الكفين فى مواجهة الصدر مع الركوع، بينما فى شمال أوروبا يرفعون القلنسوة، أو بإماءة الرأس لأسفل، بينما الأمريكيون يزيدون على ذلك كله برفع الذراع للأمام وإماءة الرأس أو الركوع، وفى إفريقيا يضعون أكفهم على رؤوسهم، أو قبضة اليد على الصدر والجبهة، وهكذا.

ولما كان دافع الإسلام الأساسى هو محو الوثنية وكل نشاط يدعو أو ينتهى إليها، أو يتولد منها، خص الله له وسيلة خاصة لأمة الإسلام، يحيي بها بعضهم بعضًا، تمحى رسم الإستعباد والتذلل للخلق وإظهار الهوان والدونية... إنه إلقاء السلام "سلام عليكم"، الذى به يضمن المسلِّمُ أمن المسلَّم عليه، لأن أول ما يحتاج إليه الإجتماع التعاونى بين الأفراد، هو أن يأمن بعضهم بعضًا فى نفسه وعرضه وماله، وكل أمر يتعلق بأحد هذه الثلاثة (النفس والعرض والمال).
وفى الحقيقة – إن إلقاء السلام ليس تكليفًا جديدًا ظهر مع الرسالة المحمدية، بل هو من بقايا دين الخليل إبراهيم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، مثل مناسك الحج وغيره، إذ أخبرنا ربنا عز إسمه بحوار الخليل مع أبيه: (قال سلام عليك سأستغفر لك ربى)، وقال عز إسمه: (ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلامًا قال سلام).
وقد أخذ الله تعالى إلقاء السلام تحية لنفسه واستعمله فى كثير من كلامه: (سلام على نوح فى العالمين)، وقال: (سلام على إبراهيم)، وقال: (سلام على موسى وهارون)، وأيضا: (وسلام على المرسلين)، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة.

وهو أيضًا تحية الملائكة المكرمين، قال تعالى: (الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم)، وقال: (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم)، وغير ذلك كثير من سلام أهل الجنة وغيره.
إذًا - فتحية المسلمين هى السلام الذى سن الله تعالى إلقائه عند كل تلاق من متلاقين، قال عز إسمه: (فإذا دخلتم بيوتًا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة)، ثم أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بالتسليم للمؤمنين وهو سيدهم، فقال: (وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة)، كما أمره أيضًا بالتسليم لغير المؤمنين فى قوله: (فاصفح عنهم وقل سلام).
إلقاء السلام عزة للفرد المسلم، حيث لا دونية ولا استعباد، فقط المساواة بين الجميع، فقيرهم وغنيهم حقيرهم وسيدهم... وهو تطوع من القائل، ورد السلام واجب على المستمع، حصيلته الأمن والمودة، إذا تفشى بين الناس تلاشت البغضاء وانتشر الحب.... وسلام على كل قارئ.

مهندس محمد الشناوى
تداول العملات تداول النفط تداول الذهب سبائك ذهب فوركس

0 التعليقات :

إرسال تعليق