الأربعاء، 29 أكتوبر 2014

هل لنا فى التفاعل المجتمعى نصيب؟

شـناويات...!
.....


هـناك فرق بين التفاعل الشخصى فى المجتمع والتفاعل المجتمعى... فالأول تحركه المنفعة الشخصـية – أما الثانى فيحركه الغيرة والإنتماء وحب الوطن.
ولم يكن انطواء مصر على نفسها قرونًا طويلة، وتأخرها عن مواصـلة التقدم بين بقية الشـعوب إلا بسبب التفاعل الشخصى.. إلا أنها خاضت تجربة التفاعل المجتمعى أيام نكسة 1967، وجنت بسبب هذا التفاعل الرائع خيرًا كثيرًا، حتى كافأها الله بنصر 1973.


كان يمكن أن يستمر الحال فى مصر فى تفاعل مجتمعى يحول فيها اليابس إلى أخضر، وتزدهر البلاد وينشط فيها العـدل... إلا أن السادات أطلق الشرارة الأولى لقتل التفاعل المجتمعى وحول البلاد إلى الإنفتاح والتسلط، لتنتفخ الطبقة البرجوازية ثراءًا، وتذبل الطبقة المتوسطة تدريجيًا لتزاحم الطبقة الفقيرة فى قوتها.

ثم التقط مبارك الخيط بنجاح ساحق، ليقضى على ما تبقى عند الناس من نخوة وانتماء للأرض، وأصبح الكلام عن التفاعل المجتمعى محبوسًا بين أغلفة الكتب، وانشغل الناس عنها حتى غطاها التراب والعنكبوت.
كل الدول حولنا استفادت من التفاعل المجتمعى وتطورت وطورت شعبها، وحمته من الفقر، إلا مصر، كانت دؤوبة فى طى كل صـفحة تتكلم عن الأمل فى الغـد، بحثًا عن استقرار كرسى الحاكم فى الحكم، ففازت باستقرار كرسى حاكمها ثلاثين عامًا، واستقرت معه مصر فى أعماق الوادى السحيق... تتوالى عليها أسباب الفقر والجهل والمرض من كل نوع، وبلا هوادة.

دقائق قليلة من التأمل فى ما حولك، تجعلك تدرك المعنى الحقيقى لكل من التفاعل الشخصى والتفاعل المجتمعى. أنظر مثلاً إلى القطة، لترى أن نشاطها لا يتعدى سـد احتياجاتها الشخصية فقط - من طعام وإخراج وتنظيف ذاتى... لكنك لن ترى لها نشاطًا آخر غير ذلك، إلا النادر اليسير.
فإذا رفعت نظرك لأعلى قليلاً، فسوف ترى الطير يبنى عشـه فوق الشجر والأماكن المرتفعة. وما هذا العش البسيط إلا صورة راقية للتفاعل المجتمعى، الذى يتكون من أسرة بها ذكر وأنثى وأفراخ صغيرة، لكنه دون مسـتوى الحيوان الذى يعيش فى نظام أوسع نطاقًا من الأسرة – كالنحل.
فتجد أن إنتاج النحل الإجتماعى يتسم بالفاعلية فى صورتين: مادية ومعنوية.
المادية تتلخص فى أن كل سـرب من النحل ينتج أكثر من احتياجاته البسيطة، ويترك لنا باقى العسل لنستخدمه نحن فى كل عام.
أما المعنوية، فتعنى أن هذا الإنتاج يفرض على خلية النحل حياة منظمة - خاضعة لقوانين حاسمة. فمجتمع النحل يقسم مهام العمل بين أفراده بالتساوى، وهذه المهام تزيد على عشرة أنواع من العمل... كل مهمة منها لها رصيدها من الطاقات الإجتماعية، يؤديها عــدد محدد من النحل، لا يمل أبدًا، ويمارس مهمته باحتراف عالٍ.

فإذا جعلنا مجتمعات النحل الصغيرة موضوعًا لدرس نظرى، لنستكشف به كيف يرتقى الإنتاج الإجتماعى بهذا التفاعل المجتمعى الدؤوب، فسوف نستنتج من هذه الظاهرة قانونًا للتحضـر والرقى والتقدم، مفاده الآتى:
التفاعل المجتمعى ينمو تدريجيًا ويرتقى بقدر ما يكون النشاط الفردى موجهًا لسد حاجات غير فردية، أى للمصلحة العـامة.
وهنا يحدث التمييز بين الشعوب المتحضرة والشعوب المتخلفة... فالشـعوب المتحضرة عكفت على أن تسخر طاقة كل فرد في مجتمعها بصورة مباشرة أو غير مباشرة - لخدمة المصلحة العامة... فزاد إنتاجها ليغطى حاجة أفرادها، وما زاد عن ذلك تستفد منه ماديا بتصديره خارج حدودها... فأدى ذلك إلى أن يتكفل المجتمع لكل فرد فيه بضمان اجتماعى فى مختلف مراحل حياته، بدءًا بصغره فى المدرسة، إلى أن يصبح عضوًا عاملاً، وحتى بعد تقاعده – فهو على الدوام فى حضـانة المجتمع كريمًا معززًا فى كل مراحل حياته، داخل المجتمع، يمتد هذا الضمان ليغطيه فى سـفره وجولاته فى أى مكان خارج مجتمعه.


بعكس الحال فى الشعوب المتخلفة، فمجتمعاتها لا تستطيع أن تقدم للفرد فيها أى ضمانات اجتماعية، لأن إنتاجه الإجتماعى غير كافٍ، لا يسد حاجته هو شخصيًا... ويزداد الحال سوءًا وبؤسًا، إذا اعتمد مجتمع ما على استيراد كل شئ يحتاجه، فإذا مد يده لغيره طـلبًا للغذاء والدواء والكساء والسلاح، فقد كتب شهادة وفاته قبل أن يحتضر بقليل... فإن طال زمن احتضـاره، عاش ذليلاً لا قرار له.

لا سبيل إلى استقلال شـعب إلا إذا زرع غذاءه ... وغزل قميصه ... واستكشف دواءه... وصنع سلاحه بيد أفراده.
فإذا أرادت مصر أن تنشر العدل والأمن، وتحمى الفقير، وتكفل اليتيم، وتمد يدها للأرامل والثكالى، وتقتل الفقر، وتبنى الأجيال وتفرض حبها على كل مصرى، فيجب علينا أن نعيد النظر فى سلوكنا وقدراتنا على توجيه طاقاتنا للمجتمع لا الفرد، وأن نتعلم العمل الجماعى، ليكون هدفنا هو إنتاج الغذاء والكساء والدواء والسلاح. 


فالحقيقة أن مصباح علاء الدين، وخاتم سليمان، والكنز المدفون، ومغارة على بابا، والشاطر حسن - ليست إلا حكاوى سجلتها بغال كسولة فى دواوين ألف ليلة وليلة.

مهندس محمد الشناوى
تداول العملات تداول النفط تداول الذهب سبائك ذهب فوركس

0 التعليقات :

إرسال تعليق