الأحد، 4 يناير 2015

ليلة رحم الله فيها البشرية من الدمار الشامل...!




شناويات...!

يُسمِّى القرآنُ الكريمُ عهدَ العربِ المتصلِ بظهورِ الإسلامِ بـ "الجاهلية"... وليست هذه التسميةُ إلا إشارةً منه إلى أنَّ الحاكمَ في هذا المجتمعِ وحوله يومئذ - هو الجهلُ الذى سيطر عليهم في كل أمورِ المعيشةِ والأحوالِ ..
 افترست الفوضى كلَّ جزيرةِ العربِ وما يُحيطُ بها من شعوبٍ وقبائلَ، وطحنتهُم المِحَنُ، حتى غاصـوا فى فتنٍ كقطعِ الليلِ المظلمِ... تجسدتْ هذه الصورةُ واضحةً فى الهبوطِ الإنسانىِّ العام فى كلِّ مناحى  الحياةِ، وبلغت الهمجيةُ في المجتمعاتِ الإنسانيةِ أعلى درجاتِ التخلفِ والانحطاطِ والظلمِ، وطالت الاستهانةُ بيتَ اللهِ الذى بناه الخليلُ إبراهيمُ وابنُهُ إسماعيلُ صلى الله عليهما وسلم، فزحف أبرهةُ حاكمُ الحبشةِ بجيشة وعتادِه وأفيالِه ليهدمَ الكعبةَ المشرفةَ... دون أن يجدَ من القوى العظمى أو من سكانِ شبهِ جزيرةِ العربِ مَن يردعُهُ أو يصُدُّه عن هدم الكعبةِ... واهتز الوجودُ كلُّه لهذا الحدثِ الجلل... وبلغتِ القلوبُ الحناجرَ، وباتتِ البشريةُ كلُّها معرَضَةً لسخطِ اللهِ وغضبِهِ... فلا تزالُ آثارُ قومِ نبىِّ اللهِ لوطٍ - صلى الله عليه وسلم - قائمةً تشهدُ على انتقامِ الله من الإنسانِ... كذلك أقوامُ عادٍ وثمودَ، وما حدث مع فرعونَ وجندِهِ... إلا أن اللهَ الصبورَ الحليمَ عزَّ اسمُهُ شاء أن يحفظَ بيتَه العتيقَ وينتقمَ له مِن المعتدى الغاشمِ... فأهلك أبرهةَ وجيشَه وعتادَهُ وأفيالَه بطيرٍ أبابيلَ - ترميهم بحجارةٍ مِن سجيل... ويرحمَ العالمين ويضعَ حدًا لهذه الفوضى، وينشرَ العدل والسلامَ والأمنَ ويرفعَ الظلمَ عن بنى البشرِ، ويعتقَ رقابَ النساءِ والأولادِ، وينصرَ الفقراءَ، ويحررَ العبيدَ والإماءَ مِن قيودِ الاستعبادِ... ويُطهرَ القلوبَ من دنسِ الشركِ، ويزكىَّ الأعمالَ، ويُصلِحَ المجتمعاتِ وينزِعَ مِن بينهم الفسادَ من جذوره وأغصانِه وباطنِه وظاهرِه... ويُتمَّ نعمتَهُ على العالمين... ثم يؤذِّنُ مؤذنُ الوجودِ فى الفضاء الواسعِ - مُعلنًا عن مولد الرحمةِ المهداةِ من الله للعالمين، فتزلزلتِ الأرضُ زلزالاً شديدًا، سقطت به الأصنامُ التي حولَ الكعبةِ من مواضعها، وانشقَّ قصرُ كسرى - ووقعَ من ُشُرفاتِه أربعُ عشرةَ شرفةً... وأنطفأتِ النارُ التي كان يعبدُها أهلُ فارسَ فاغتموا وحزِنوا لانطفائها، و أحسوا أن النيرانَ لم تخمدْ إلا لأمرٍ عظيمٍ حدث في هذا العالمِ... وبات الناسُ ليلةً صبحُها كيومِ القـيامةِ... إلا السيدةَ آمنةَ بنتَ وهبٍ التى كانت تنتظرُ مولودَها في دارِ عمهِ أبي طالبٍ بمكةَ ... بيتٌ من بيوتِ بني هاشم بن عبد مناف بن قصي ... بنو هاشم هم الذين اجتمعَ لهم من الشرف الرفيعِ، والمجدِ القديمِ، والسيادةِ العظمى- ما لم يجتمعْ لغيرهم من البيوتات العربيةِ على عظمتِها، وشرفِ أصولِها وفروعِها، وقوةِ أنَفَتِها وعِزَّتِها.

فقصى الجدُّ الأعلى لبنى هاشم، هو مَن اجتمعَ في يده معظمُ وظائفِ ِالرياسةِ والسيادةِ والقيادةِ وغيرِها فى زمانه. وورَّثها لبنيه من بعده... حتى كانتِ القبائلُ تتسابقُ وتتنافسُ لتنالَ وظيفةً منها؛ لِتَشْرُفَ بها، ويعلو شأنُها... باتتِ السيدةُ آمنةُ آمنةً مطمئنةً تنتظرُ مولودَها الذى صار خروجُه وشيكًا بشغفٍ هائلٍ، بعد أن سمعت هاتفًا يقول لها: إنك قد حملتِ بسيدِ هذه الأمةِ، فإذا وقع على الأرضِ فقولي: إني أُعيذُهُ بالواحد من شرِّ كلِّ حاسدٍ... وسميه محمدا".

وفي صبيحة يومِ الاثنين – الثانى عشرَ من ربيعٍ الأولِ، لأولِ عامٍ من حادثة الفيلِ، الموافق للثالث والعشرين من أبريل - من سنة خمسمائة وواحد وسبعين ميلادية، وُلِدَ محمدً - نبيُّ الرحمةِ، والرسولُ الكريمُ، وخاتَمُ النبيين، وأشرفُ المرسلين، وأكرمُ الخلقِ: محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ المطلبِ بنِ هاشمِ بنِ عبدِ منافِ بنِ قُصَيِّ بنِ كلابِ بنِ مُرة، بنِ كعبِ بنِ لؤي ابنِ غالبِ بنِ فهرٍ.

لما وضعتهُ أمهُ خرجَ معه نورٌ أضاء ما بين المشرق والمغرب، حتى أضاءتْ منه قصورُ الشامِ وهو المولودُ بمكةَ... خرج إلى الدنيا وضيئًا مضيئًا يعلوه النورُ والبهاءُ، واضعًا يديه على الأرض، رافعًا رأسَهُ الشريفَ، ناظرًا بعينيه إلى السماء... وكأنه يكبرُ ويهللُ حامدًا وشاكرًا ربَّه.

أضاء الوجودَ بنورِ طلعتِهِ ... واستعدتِ الشمسُ لتشرقَ على الوجه الشريفِ المباركِ... واستبشر الغمامُ بالخير ... وتنفستِ الأرضُ الصعداءَ بعد عصورٍ من الفساد والظلمِ والانحلالِ، فَرِحَةً متهللةً لتحملَ فوقها أشرف جسدٍ يمشى عليها.

سمِعَ السيدُ الكريمُ عبدُ المطلبِ بنُ هاشمِ الخبرَ السعيدَ، فحضر للتوِّ فرحًا مسرورًا، وكفله وقام بما يجب عليه نحو أمهِ آمنةَ... وفي اليوم السابعِ من ولادته أمر بختانه... وأقام له مأدُبةً عظيمةً أطعم فيها البشرَ والحيوانَ والطيرَ والوحشَ فى البادية... ثم ألهمه الله أن يُسميَهُ محمدًا، فلما سُئِل عن سبب هذه التسميةِ... ولماذا رغِبَ عن أسماءِ آبائه؟ أجاب: سميته محمدًا، لأنى أردت أن يكون محمودًا في السماء عندَ الله، وفي الأرض عندَ خلقِ اللهِ.

هنيئًا للعالمَينَ بهذا المولدِ الشريفِ المبـاركِ... هنيئًا لمن فرح وسعِد بمولده، واهتدى بهديه... وشَرُفَ بالانتماءِ إلى دينه، وسار على سنته، وصلى فى مسجده، ووقف أدبًا عند بابه، وسجد لله فى روضته الشريفةِ... ومات على ملته، ونال شفاعتَه، وشرِبَ من حَوضِهِ، وسعِدَ بلقاء ربه.

كلٌنا مطالبون بتقديم كشفِ حسـابٍ لهذا النبىِّ الكريمِ يومَ الفزعِ الأكبرِ، ماذا قدمنا من بعده؟ وكيف أهملنا شريعتَه ؟!!، وكيف تفرقنا مذاهبَ وشِيعًا وطوائفَ؟، وكيف أضعنا الحقوقَ، وأفسدنا فى الأرض؟
من ذا الذى يستطيعُ أن يقولَ له: لقد أهملتُ سنتَكَ، وصددتُ الناسَ عنها، وشككتُ فيها، ورددتُها عليك؟ وكذبتُ الصحابىَّ الجليلَ أبا هريرةَ الذى نقَلَ عنك، وقدحتُ فى الإمام البخارى الذى جمع الحديثَ عنك، وخضتُ فى عِرضه... وحللتُ الحرامَ وحرمتُ الحلالَ... وخضتُ فى الناس تكفيرًا، وجعلتُهم ينظرون للإسلام من ثقب إبرةٍ حتى نفروا منه...؟
لقد سعدتِ الإنسانيةُ كلُّها بمولده الشريفِ، حتى غير المسلمين - نالتهم الرحمةُ بمولده، ونجَوا من الهلاكِ والغضبِ والمقتِ الإلهى فى الدنيا بقدومِهِ... وفتح الله عليهم الدنيا بسبب الإسلام... فخرجوا من نفق الفسادِ والظلمِ والتخلفِ والإنحطاطِ والهمجيةِ - حين بدأ الأوروبيون يميلون إلى العلم والتعلمِ فى القرنين الحادى عشر والثانى عشر من الميلاد، بعد أن ظهر فيهم أناسٌ فاض بهم الكيلُ، حين رأوا أنوار العلوم تشع من بلاد العرب المسلمين، فقرروا أن يرفعوا أكفان الجهلِ الثقيلِ عن أجسادهم، وولوا وجوهَهم شطرَ العربِ المسلمين - الذين كانوا بمثابة أئمةِ العلمِ وقنذاك.

لقد جعل الله عز إسمُه أداءَ الصلاةِ والسلامَ على رسوله ضابطَ الحمدِ والشكرِ على نعمته الكبرى المهداةِ لنا برسالةِ هذا النبىِّ المُثلى، ولما كان جل جلاله خبيراً بحقيقة عجزِنا وضعفِنا عن أن نقومَ بمكافأةِ هذا النبىِّ بما هو أهلٌ له من الجزاء، أرشدنا بفضله وكرمه إلى طريقة سهلةٍ وميسرةٍ لا كُلفةَ فيها ولا مشقةَ لأداء هذه المكافأةِ، وذلك بكلمات خفيفةٍ على اللسانِ، مَرضيَّةٍ عند الله، ألا وهى الصلاةُ على خير البشرِ، الذى جاء بالنور والهدى والإيمانِ، لكى تظلَّ شخصيةُ رسولِنا ماثلةً أمامَ قلوبِنا بجلالِها... وأمام الأجيالِ القادمةِ ببهاء أنوارِها وكمالِها، ولِتكونَ القدوةَ المُثلى للهدى والتقى ومكارمِ الأخلاقِ.

يا اللهُ - يا إلهُ - يارب... إنا نتقربُ إليك بالصلاة على حبيبك سيدِنا محمدٍ خيرِ الورى، فتقبل بفضلك صلاتَنا، ونهدى إلى حضرته سلامَنا، فبارك بكرمك سلامَنا وأشواقَنا، وإننا بهذه الصلاةِ وبهذا السلامِ، نُسارعُ رغبًا إلى تلبيةِ أمرٍ أردتَه وأحببتَه، وبدأتَ فيه بذاتِ نفسِك، وثنيتَ فيه بملائكةِ قدسِكَ، ثم أوجبتَه على المؤمنين من خلقِك، وهو الصلاةُ والتسليمُ على سيدنا ومولانا محمدٍ الأمينِ، الذى أرسلتَه رحمةً للعالمين، فبارك يا الله صلاتَنا وسلامَنا عليه، ووفقنا للتمسكِ بسنتِهِ وهداه، وأن نسلُكَ سبيلَ المودةِ فى آلِه وصحبِه ومَن والاه.  (انتهى)

مهندس محمد الشناوى
01222648379
تداول العملات تداول النفط تداول الذهب سبائك ذهب فوركس

0 التعليقات :

إرسال تعليق