الأربعاء، 29 أكتوبر 2014

مصائب التربية...!

شـناويات...!
....
من شروط التربية الصالحة أن يكون المعلم المربى نفسه متصفًا بما يصفه للمتعلم، متلبسًا بما يريد أن يُلبِّسَه لتلميذه، فمن المستحيل أن يربى المربى الجبانُ شجاعًا باسلاً، أو يتخرج عالم حر فى آرائه ونظرياته وأفكاره من مدرسة التعصب والشذوذ الفكرى، أو يعتدل إنسان تعلم بواسطة نظريات وأفكار متطرفة، وهكذا.
لذلك لزم أن يكون المعلم المربى ذا إيمان بمواد تخصصه وتربيته، لأن الإنسان الخالى من الإيمان بما يقوله، يُعتبَر منافقًا متسترًا بالأعمال الصالحة، متظاهرًا بالإيمان الصريح الخالص، ولن يتربى على يده ويحبه ويدافع عنه إلا من يشبهه فى نفسه الخبيثة. فاللسان وإن أمكن التحكم فيه لينطق بعكس ما ترضى عنه النفس ويوافقه السر، كلامه دائمًا فعل، والفعل من آثار النفس وطبيعتها، فكيف إذًا يمكن مخالفة الفعل لطبيعة فاعلِه، حتى يقول الإنسان مالا يفعل؟ وهذا النوع من الناس موجود فى كل الأزمنة، وممقوت عند الله: (((كبر مقتًا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون)))...
فإذا سلمنا أن المعلم يجب أن يكون مؤمنًا بتخصصه، محبًا له، موقنًا به، فغير المؤمن بما يقول، أو غير العامل بتطبيق علمه على نفسه أولاً، لا يُرجى منه خير أبدًا... وهو كالسرطان المتفشى فى المجتمع، لابد من التخلص منه بإقصائه أو إهماله إن تعذر تقويمه.

وما شدنى لنموذج التربية، هو آية كريمة فى كتاب الله، قرأتها مرات لا تحصى، لكنى لم أنتبه لمضمونها من قبل، وإن كان تكوينها اللغوى المبهر يلفت الإنتباه والأعناق والعيون أيضًا. يقول عز إسمه:
(((أفمن يهدى إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدى إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون)))... يا الله... عشرات السنين من عمرى أمر على هذه الآية الشريفة منصرفًا عن مضمونها، حتى ضاقت بى اليوم ذرعًا ولطمتنى على وجهى، فانتبهت... وألحقت بها قوله تعالى: (((أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم)))... ثم تذكرت قول نبى الله شعيب صلى الله عليه وسلم:
(((وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه)))، فعلمت أن للأنبياء تربية خاصة رباهم الله عليها، ليست من النوع الذى نعرفه ونتشدق به نحن... إنها التربية على التوحيد المطلق، بحيث يسرى التوحيد فى أعمالهم، ويتمكن فى تصرفاتهم وأعمالهم وسريرتهم وجميع أحوال ظاهرهم... حتى يصبح ملتصقًا بأعمالهم، فتُحاكى أعمالهُُُُُم التوحيدَ محاكاةَ المرآةِ للمرئى، بحيث لو فرضنا أن للتوحيد صورة مجسمة ومتحركة، فستصبح أعمال الأنبياء بعينها هى تلك الصـورة... وإن شئت قل: لو أن أعمال الأنبياء تحولت لاعتقاد محض، لصارت هى التوحيد بعينه.


وهذا المعنى موجود أيضًا بصورة أخرى فى الجانب الآخر من الحياة الإنسانية العادية، فأنت ترى أعمال الشخص المتكبر تمثل ما فى نفسه من صفات الكبر والخيلاء، وكذلك البائس المسكين - يحاكى جميعَ حركاته وسكناته ما فى سرِّهِ من الذلة والمسكنة... فيظهرُ حالُهُ فى أفعاله وهيئته وتعاملاته.

إذًا فتأديب الله عز إسمه لأنبيائه ورسله تأديب عملى، أعدهم به لهدف محدد:
(((وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين))).
فأضاف عز إسمه: (((فعل الخيرات)))، ليدلنا على أن الفعل الصادر من الأنبياء من خيرات فعلوها وصلاة أقاموها وزكاة آتوها، وكل هذه الأعمال هو من باب الفعل المفروض بالوحى، وهو وحى تسديد وتأديب خاص للأنبياء والرسل، وليس وحي نبوة وتشريع.
وأقصد بوحي التسديد أن يخص الله عبدًا من عباده بروح قدسي يسدده فى أعمال الخير واجتناب السيئات، تمامًا كما يسددنا الروح الإنسانى فى التفكر فى الخير والشر، أو الروح الحيوانى الذى يسددنا فى اختيار ما نشتهيه من الجذب والدفع بمحض إرادتنا نحن.


وحينما أمر الله عز إسمه نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بقوله: (((فبهداهم اقتده)))، فيُقصَدُ به تأديب إلهى إجمالى مخصوص له صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، يجمع له كل آداب التوحيد المنبسطة على أعمال الأنبياء والرسل من آدم إلى عيسى بن مريم، عليهم من الله أزكى الصلوات وأفضل التسليمات...
لقد عاش الأنبياء والرسل على الخضوع لله عملاً، والخشـوع له سبحانه قلبًا، فاستولت صفة العبودية على نفوسهم الطاهرة، بحيث كلما ذُكِّروا بآية من آيات الله ظهر أثرُها فى ظاهرهم، كما غشيت الصفة باطنَهم، فهم على أدبهم الإلهى فى سمات العابدين دائمًا، سواء خلوا مع ربهم أو خلوا مع الناس، فتراهم يعيشون على أدب إلهى مع ربهم ومع الناس جميعًا... لا يتبعون الهوى أبدًا، لأن عواطفهم النفسانية وأميالهم الباطنية من شهوة أو غضب أو حب أو بغض أو سرور أو حزن مما يتعلق بمظاهر الحياة من مال وبنين ونكاح ومأكل وملبس ومسكن وغير ذلك، كل ذلك واقع فى سبيل الله، لا يقصدون به إلا الله جلت عظمته. 


فيارب صل وبارك وكرم على جميع أنبيائك ورسلك وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين... وصلوات مباركة طيبة على خاتم النبيين والمرسلين، محمد الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

مهندس محمد الشناوى
تداول العملات تداول النفط تداول الذهب سبائك ذهب فوركس

0 التعليقات :

إرسال تعليق